“قسد” تتنصّل.. من المسؤول عن تكرار الاقتتالات العشائرية بالرقة
2022-09-04 14:09 | اخر تعديل : 2024-10-23 18:10
الرقة – حسام العمر
لم يعد مثنى الخلف (35 عامًا)، من سكان مدينة الرقة، يبالي عندما يقرأ أخبارًا على صفحات محلية، تتحدث عن الاقتتال العشائري الدائر في منطقته منذ عدة سنوات.
ويرى الشاب الثلاثيني أن الأمر تكرر كثيرًا خلال السنوات الماضية، ولم يعد أمرًا غريبًا أن ترى العشرات من أبناء عشيرة معيّنة يهاجمون عشيرة أخرى، ويقتتلون فيما بينهم بالأسلحة النارية، ليسقط إثر ذلك عدد من القتلى والجرحى.
وتشهد مدينة الرقة وريفها، بشكل متكرر، اقتتالات بين أبناء العشائر العربية هناك، غالبًا ما تبدأ بشجار بين شخصين أو بضعة أشخاص، وتتطور لاحقًا لاقتتال عشائري يشارك فيه العشرات، دون أي جهود تُبذل في المنطقة لوقفها أو تقليص حدوثها.
يرى الناشط المدني فادي الحسن، وهو من أبناء مدينة الرقة، أن الثورة السورية كان لها دور في إحياء العشائرية والتحزب العشائري، على اعتبار أن عدة فصائل ثورية وميليشيات تتبع للنظام السوري أُسست على أساس عشائري.
وقال الناشط لعنب بلدي، إن النظام السوري، قبل اندلاع الاحتجاجات، كان يلجأ لإضعاف أي تجمع اجتماعي أو سياسي، لذلك فإنه منذ وصول حزب “البعث” إلى السلطة، عمل النظام عبر أجهزته الأمنية على وأد أي توجه يجتمع عليه عدة أشخاص ومن ضمن ذلك العشائر.
ووفقًا لشهادات سكان محليين في الرقة قابلتهم عنب بلدي، عمل تنظيم “الدولة الإسلامية”، عند سيطرته على مدينة الرقة، على تأسيس مؤسسة خاصة بالعشائر كان تحمل اسم “ديوان العشائر”، وكانت تتخذ من مبنى “غرفة التجارة” قرب الملعب الأسود في المدينة مقرًا لها.
ولكن طوال مدة سيطرة التنظيم على الرقة، بين العامين 2014 و2017، لم تشهد المدينة أي اقتتال عشائري، ولم تشهد أيضًا أي مظاهر مسلحة خارج راية تنظيم “الدولة”، الذي كان يعتبر النزعة العشائرية “حميّة جاهلية”، وفقًا لرواية السكان.
سيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على مناطق ذات أغلبية عشائرية، مثل منبج بريف حلب الشرقي، وأجزاء من محافظة الرقة والحسكة ودير الزور، بعد معارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، منذ إعلان تأسيسها لـ”محاربة التنظيم” عام 2015.
وأسست “قسد” و”الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا العديد من المؤسسات ذات الطابع العشائري والقبلي، مثل “مجالس الأعيان” و”العلاقات العامة”، لضمان استمالة العشائر لصفوفها، والتقارب ا شيوخ العشائر لدائم بينها وبين سكان المنطقة، وفقًا لما يراه لؤي القاسم، وهو ناشط مدني من الرقة.
وأشار لؤي إلى أن إظهار شيوخ العشائر على أنهم أحد أطراف الحكم في المنطقة، والتعويل كثيرًا على موقف العشيرة ووجهائها من قبل المسؤولين في “قسد” و”الإدارة الذاتية”، عزز من العشائرية في المنطقة.
واعتبر الناشط المدني أن المسؤول الأول عن الاقتتالات العشائرية التي تحدث بالمنطقة في الوقت الحالي هو “قسد” والمؤسسات الأمنية التابعة لها، لأنها عززت التوجه العشائري، إلى جانب ضعف قدرة “قسد” على ضبط الأوضاع الأمنية في المناطق التي تسيطر عليها، ولا سيما ذات الأغلبية العشائرية.
ويغلب على سكان مدينة الرقة وريفها الصبغة العشائرية، وتسكنها عدة عشائر عربية، تحوّل معظمها للمجتمع المديني منذ خمسينيات القرن الماضي.
ومن العشائر التي تسكن الرقة خلال الوقت الحالي: “العفادلة”، و”الولدة”، و”البريج”، و”البوخميس”، و”الحليسات”، و”البو سرايا”، و”السبخة”، وعشائر أخرى.
كما شهدت مدينة الرقة سلسلة هجرات من سكان أرياف حمص وحماة وحلب وإدلب، وذلك خلال العقود الخمسة الأخيرة، ما غيّر كثيرًا من عادات السكان، مع الحفاظ على بعض الأعراف والتقاليد العشائرية، مثل عادات الصلح والعزاء والأفراح.
مسؤول في “مجلس الرقة المدني” التابع لـ”الإدارة الذاتية”، نفى الاتهامات الموجهة لـ”قسد” و”الإدارة” بتعزيز النزعة العشائرية، معتبرًا أن ما يجري الآن هو نتاج التشرذم الاجتماعي الذي تعيشه سوريا بسبب الحرب.
وأشار المسؤول (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن “الإدارة الذاتية” أفسحت المجال لكل المكوّنات في مناطق سيطرتها لإظهار نفسها، وتأسيس هيئات اجتماعية خاصة بها، وليس فقط العشائر، “هنالك مؤسسات خاصة بالأرمن والسريان والشركس ومكوّنات أخرى”، على حد قوله.
وقال المسؤول، إن عدم تدخل القوى الأمنية التابعة لـ”قسد” و”الإدارة الذاتية” لفض أي اقتتال عشائري هو أمر غير صحيح، ولكن القوات الأمنية والعسكرية تتجنب الاصطدام بالعشائر في حال قررت فضّ ذلك الاقتتال.
ومطلع أيار عام 2021، أطلق ناشطون في مدينة الرقة وسم “أنا من عشيرة الرقة“، في دعوة للتخلي عن النزعة العشائرية في المدينة، بعد تكرار حوادث الاقتتال العشائري، وسقوط قتلى وجرحى.
مصطفى العبد الله، أحد وجهاء عشيرة “العفادلة”، قال لعنب بلدي، إن فوضى السلاح وغياب الرادع القانوني والأخلاقي، هما السبب الرئيس لأي اقتتال عشائري يحدث في الرقة خلال الوقت الحالي. وأشار العبد الله إلى أن تراجع دور المؤسسات الأمنية في ضبط السلاح، أتاح لــ”ضعيفي النفوس” حمله واستخدامه، دون وعي بمخاطر الاستخدام، ولا سيما في المنازعات والمشاجرات التي قد تحدث بين السكان المحليين.
وعادت عشائر في الرقة وريفها لاتباع عرف “الدية“، بعد تراجع دور المؤسسات الأمنية والقضائية في المنطقة، وغياب الرادع الأخلاقي والقانوني.
وعقد شيوخ ووجهاء عشائر من الرقة وريفها، في حزيران 2021، اجتماعًا بمضافة الشيخ هويدي الشلاش، شيخ عشيرة “البوشعبان”، ناقشوا فيه تحديد “الدية” للمصاب وقتل الخطأ وحوادث القتل الأخرى.
وأرجع شيوخ العشائر سبب عقد هذا الاجتماع إلى تحديد آلية جديدة لـ”الدية”، لضرورة وجود رادع حقيقي للجناة وذوي النزعة الإجرامية، بعد غياب الرادع الأخلاقي والقانوني.
المصدر : عنب بلدي