إيران تملأ هوامش الجنوب السوري.. أكثر من خطر وأقل من حرب حقوق الصورة محفوظة لموقع عنب بلدي

إيران تملأ هوامش الجنوب السوري.. أكثر من خطر وأقل من حرب

2022-09-18 09:09 | اخر تعديل : 2024-11-26 15:11


إيران تملأ هوامش الجنوب السوري.. أكثر من خطر وأقل من حرب


عنب بلدي – خالد الجرعتلي

انعكس الانشغال الروسي بجبهة أوكرانيا على الجنوب السوري، إذ خففت روسيا من وجودها ورقابتها على المنطقة، ما فتح الباب أمام تمدد إيراني فيها، بحسب قادة سابقين في فصائل المعارضة قابلتهم عنب بلدي في درعا.

وفي الوقت نفسه، تفرض أمريكا وإسرائيل رقابة على الميليشيات الموالية لإيران في سوريا، ويتلخص ذلك بتكرار الهجمات الجوية الإسرائيلية لمواقع عسكرية إيرانية، استهدف أبرزها مطاري “دمشق” و”حلب”.

هذه الرقابة لم تشمل الجنوب السوري بمقدار يشير إلى وجود خطر إيراني حقيقي في المنطقة، لكن خبراء إسرائيليين يتحدثون عن أن هذا الخطر بات متصاعدًا خلال الأشهر الأخيرة.

مع “الغزو” الروسي لأوكرانيا، الذي جوبه بمقاومة مدعومة من الغرب، انسحبت بعض الوحدات من المنطقة الجنوبية من سوريا، بحسب ما قاله قيادي في “اللواء الثامن” الذي شكّلته روسيا شرقي درعا عام 2018.

كما انسحبت بعض القوات الروسية من مدينة إزرع وقرية موثبين شمالي درعا، بحسب ما قاله القيادي لعنب بلدي، مرجعًا ذلك إلى تصاعد حدة العمليات العسكرية في أوكرانيا.

الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، توقع خلال حديث لعنب بلدي، أن تشهد المرحلة المقبلة مزيدًا من التمدد الإيراني بالجنوب في ضوء فقدان روسيا تركيزها على المنطقة.

لكن النيفي لا يرجع التمدد الإيراني لانسحاب روسيا فحسب، بل لأن السياسة الإيرانية اليوم متجهة إلى المنطقة في سياق صراعها مع إسرائيل، وخاصة في ظل التعرقل المتكرر للاتفاق النووي بين إيران والغرب، فطهران تعتبر ميليشياتها في سوريا ورقة من أوراق الضغط على الغرب في هذا الملف بالتحديد.

الخبير في الأمن الاستراتيجي الأردني عمر الرداد، قال لعنب بلدي، إن سيناريو الانسحاب الروسي من الجنوب السوري بات أقرب من أي وقت مضى، لكن فضّل تسميته بـ”إعادة النظر بالوجود الروسي في سوريا”.

واعتبر أن الطرف الرئيس المرشح ليحل محل القوات الروسية، خصوصًا في المنطقة الجنوبية، هو إيران والميليشيات التابعة لها.

أبرز المؤشرات التي حملت معاني تراجع روسي في الجنوب السوري لحساب إيران، كان رفع الدعم عن “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” في درعا.

وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من قياديين في “اللواء”، فإن روسيا تخلت عن دعمها لـ”اللواء” منذ نهاية عام 2021، ووافقت على انضمامه لشعبة “الاستخبارات العسكرية”.

ومع دخول “تسويات” النظام برعاية روسية حيز التنفيذ عام 2018، حافظ العودة على تنظيمه العسكري المعارض، وانتقل به للانضمام إلى “الفيلق الخامس” الذي أسسته روسيا عام 2016 كقوات رديفة للجيش السوري.

الوجود الروسي كان يضبط الانتشار الإيراني في الجنوب السوري، بحسب آراء القياديين المحليين السابقين الذين قابلتهم عنب بلدي في درعا.

لكن الباحث السياسي والكاتب الإسرائيلي يوآب شتيرن، لم يتفق مع هذه الفكرة، إذ اعتبر أن روسيا من خلال وجودها في المنطقة كانت تستخدم إيران وميليشياتها ورقة ضغط على إسرائيل والأردن.

وقال، في رده على أسئلة أرسلتها عنب بلدي إلكترونيًا، إن روسيا هي من سمحت لإيران بأن تثبت نقاط وجود لها في الجنوب السوري، لكن وفق قيود حددتها موسكو. لكن بالمقابل، أشار شتيرن إلى أن انشغال روسيا بأوكرانيا شتّت تركيزها عن المنطقة، وهو ما يحمل مؤشرات على اتساع السيطرة الإيرانية.

ورغم قرب التمركز الإيراني الجديد في الجنوب السوري من الحدود الإسرائيلية، حافظت إسرائيل على استراتيجيتها بإحباط عمليات تهريب الأسلحة عبر المطارات والمعابر البرية من خلال قصف تكرر على المطارات السورية، وآخر استهدف قوافل نقل برية.

لكن هذه الاستراتيجية لم تتوسع مع توسع المد الإيراني في الجنوب السوري، إذ لم تتخذ إسرائيل أي خطوة حتى اليوم تشير إلى ارتفاع الخطر الإيراني على حدود الأراضي المحتلة مع سوريا.

تضاربت تصريحات مسؤولين أردنيين منذ عدة أشهر حول الخطر الإيراني الذي يتلخص بكميات كبيرة من المخدرات تعبر حدود الأردن قادمة من الأراضي السورية.

وقال الملك الأردني، عبد الله الثاني، إن العلاقة العربية مع إيران هي أمر تريده جميع الدول العربية، لكنها يجب أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل فيما بينها، وإتمام هذه العلاقة يتطلّب من إيران “تغيير سلوكها”.

الخبير في الأمن الاستراتيجي الأردني عمر الرداد، اعتبر أنه إذا تجاوز التمدد الإيراني حده الطبيعي في الجنوب السوري، لا يمكن للأردن أن يقف متفرجًا.

وأشار إلى الخطر القادم من سوريا يراه الأردن في شقين، خصوصًا أنه عاد إلى المربع الأول لـ”بدايات الحرب في سوريا”، عندما كان القلق الأردني يتركز حول تشكيل مجموعات موالية لـ”الحرس الثوري الإيراني”، وميليشيات مثل “حزب الله” وغيرها، والخطر المتمثل بفصائل متشددة كانت تنتشر بالمنطقة كتنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”.

منذ أشهر تحدثت تحليلات ومعلومات قيل إنها مسربة عن اجتماعات سرية تناقلها ناشطون وقياديون سابقون في فصائل المعارضة، حول احتمالية إنشاء “منطقة آمنة” على الحدود السورية- الأردنية، للدفع بالميليشيات الإيرانية خارج المنطقة.

لكنّ مصدرًا مسؤولًا أردنيًا نفى لوكالة “عمون” الأردنية، في تموز الماضي، بصورة قاطعة ما تردد من أنباء على وسائل التواصل الاجتماعي عن إنشاء “منطقة آمنة” على الحدود الأردنية- السورية.

تبع ذلك بنحو شهر عودة أحمد العودة، قائد “اللواء الثامن”، إلى سوريا بعد استقراره في الأردن لأكثر من عام، ما دفع للتساؤل عن أسباب هذه العودة.

الخبير الإسرائيلي يوآب شتيرن، اعتبر أن تدخل إسرائيل بتمويل أو دعم فصائل معارضة للنظام السوري في سوريا هو أمر لا يمكن أن تقوم به بشكل مباشر.

وأضاف شتيرن أن تداول أنباء من هذا النوع بشكل عشوائي هو تلاعب بفصائل المعارضة في المنطقة، فمن وجهة نظر إسرائيلية، لا يمكن المخاطرة بتجربة ليست معنية فيها بشكل مباشر، خصوصًا أن تجربة إسرائيل مع فصائل المعارضة في الجنوب السوري خلال السنوات الماضية كانت “تجربة مرة”، بحسب شتيرن.

وفي حال وُجد أي اهتمام بهذا النوع من التحركات في المنطقة، فمن المحتمل أن يكون توجهًا أردنيًا، أو غربيًا، لكن بالنسبة لإسرائيل فهو أمر حساس لا يمكن تجربته مجددًا.

الخبير الأردني عمر الرداد، اعتبر أن للأردن خيارات عديدة للتعامل مع المخاطر القادمة من سوريا، أحدها ورقة المعارضة السورية المسلحة في الجنوب السوري، إضافة إلى الامتدادات الاجتماعية والعشائرية الكبيرة للأردن مع سكان الجنوب السوري في درعا ومحيطها.

الرداد أشار إلى أن خيار إعادة تفعيل هذه الفصائل قائم لكنه الأخير، فلطالما يمكن للجيش الأردني ضبط الحدود مع سوريا، فلا حاجة للتصعيد.

الباحث السياسي السوري حسن النيفي، قال خلال حديثه عن فصائل المعارضة في الجنوب السوري، إن روسيا استمالت أكبر هذه الفصائل وهو “اللواء الثامن”، واستخدمته كخدعة لإيهام أهالي درعا بأن هذا “اللواء” مستقل عن قوات النظام.

لكن تبين فيما بعد أن سطوة “الفرقة الرابعة” والميليشيات الإيرانية تجاوزت “اللواء”، وباتت قدراته ونفوذه تتراجع بالتدريج حتى انحسرت في بصرى الشام شرقي درعا، فضلًا عن أن الكثير من المنخرطين في “اللواء” من أهالي درعا ومن أصحاب “التسويات” قد فقد السكان الثقة بهم.

اختلفت وجهات النظر بين الخبراء والمحللين حول أهمية المنطقة بالنسبة للمجتمع الدولي، خصوصًا في الوقت الراهن مع انشغال الجميع بأزمات دولية أخرى.

يرى المحلل الإسرائيلي أن المجتمع الدولي غير متفرغ اليوم ليركز نظره على المنطقة الجنوبية في سوريا، لكن هذا لا يعني تجاهله للمنطقة.

ولا يمكن للمجتمع الدولي اليوم أن يطرح قضية التمدد الإيراني في الجنوب السوري على طاولته إلا ضمن حالات تكتيكية جدًا.

الخبير في الأمن الاستراتيجي الأردني عمر الرداد، اعتبر أن المجتمع الدولي متعاون مع الأردن في هذا الصدد، خصوصًا فيما يتعلق بأمن حدوده الشمالية.

لكن الملف السوري يرتبط أيضًا بتطورات الملف الأوكراني، الذي لا يمكن التنبؤ بنهايته أو نتائج تطوراته اليوم.

في حزيران 2018، تمكّن النظام بغطاء جوي روسي ودعم بري إيراني من السيطرة على أجزاء واسعة من محافظتي درعا والقنيطرة، وانتهت الحال بالمنطقة تحت سيطرته بالكامل.

ولم تتوقف عمليات الاغتيال التي طالت مدنيين وعسكريين ومقاتلين سابقين في صفوف قوات النظام والمعارضة، منذ أن سيطرت قوات النظام مدعومة بسلاح الجو الروسي على المحافظة، في تموز من عام 2018، بموجب اتفاق “تسوية”.

وغالبًا تُنسب هذه العمليات إلى” مجهولين”، في حين تتعدد القوى المسيطرة والتي تتصارع مصالحها على الأرض، ما بين إيران وروسيا والنظام وخلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”.

في حين تشهد المنطقة حالة من الفلتان الأمني تنعكس على جميع الأصعدة في المنطقة، إضافة إلى حملات أمنية مستمرة من جانب قوات النظام السوري.

وفي كثير من الأحيان، خلّفت هذه الحملات مواجهات مسلحة بين قوات النظام وبقايا فصائل المعارضة في المنطقة.

المصدر : عنب بلدي



الأكثر مشاهدة :